الشرح:
يقول المصنف رحمه الله: [وأما الإيمان بالقرآن، فالإقرار به واتباع ما فيه، وذلك أمر زائد على الإيمان بغيره من الكتب]، أي: أمر زائد على الإيمان بأن الله أنزل التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب المذكورة في القرآن، وأن فيها الهدى والصلاح.. وهذا في الجملة.
فالإيمان بالقرآن فيه أمر زائد على هذا؛ لأن تلك الكتب قد نسخت بإنزال القرآن، فلما نزل القرآن نزل مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، فهو مصدق من جهة، ومهيمن من جهة أخرى؛ فكل ما فيه يجب العمل به، وكل ما كان في الكتب التي قبله مما يخالفه فهو منسوخ، وفي القرآن من التفصيل والبيان ما ليس في غيره، فهو الذي يجب العمل به على الناس أجمعين منذ أن أنزله الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال: [فعلينا الإيمان بأن الكتب المنزلة على رسل الله أتتهم من عند الله، وأنها حق وهدى ونور وبيان وشفاء].
ثم ذكر الآية من سورة البقرة وهي قوله تعالى: ((قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ))[البقرة:136]، وإذا تأملنا في هذه الآية نجد أن هناك حكمة نلتمسها من قوله تعالى: ((قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ))[البقرة:136]، وهي أن أول ما يجب علينا أن نؤمن به هو كتابنا هذا الذي أنزله الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فنحن نؤمن أيضاً -وكل الناس مأمورون بذلك ومنهم أهل الكتاب- نؤمن بما أنزل إلى إبراهيم، والذي أنزل إلى إبراهيم يشمل كل ما أنزل الله إليه، وهو الصحف، وكذلك الإيمان والعقائد والدعوة التي جاء بها إبراهيم عليه السلام؛ لأنها كلها من عند الله، ثم عطف عليه إسماعيل وإسحاق، ثم ذكر أنبياء بني إسرائيل: يعقوب والأسباط، ثم أفرد موسى وعيسى عليهما السلام؛ وذلك لأنها أعظم أنبياء بني إسرائيل، ثم قال تعالى: ((وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ))[البقرة:136]، فأجمل بعد التفصيل، فكل ما أوتي الرسل وأنزل إليهم فنحن نؤمن به، ما علمنا منه وما لم نعلم، وهذا هو مفرق الطريق بين إيماننا بكتب الله وبين إيمان أهل الكتاب؛ لأن أهل الكتاب يفرقون بين الله ورسله، ويفرقون بين كتب الله، ويقولون: نؤمن ببعض ونكفر ببعض، أما نحن فنؤمن بالكتب كلها.
فالإيمان بالقرآن له شأن عظيم؛ فإن القرآن أعظم كتاب أنزله الله تعالى، وهو كلام الله عز وجل، وهو خطابه الأخير للإنسانية جميعاً.. جعل فيه الخير والهدى والنور للناس كلهم إلى قيام الساعة، وهو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، ونوره المبين، الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ فيجب الإيمان به زيادة -كما ذكر رحمه الله- عن الإيمان بالكتب السابقة، وذلك باتباعه، والعمل بمحكمه، والإيمان بمتشابهه، وأن تقام حدوده كما تقام حروفه، وألا يهجر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم سيشتكي إلى ربه لأن قومه هجروا القرآن، قال تعالى: ((وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا))[الفرقان:30]، فلا يهجر القرآن هجر تلاوة، ولا هجر عمل، وذلك بأن لا يعمل بما فيه، وألاًَّ تقام أحكامه وحدوده، وألا يحل حلاله ويحرم حرامه. بل لابد من العمل بالقرآن، فما كان فيه من أوامر فعلناها ولابد، وما كان فيه من نواهٍ اجتنبناها ولابد.